فصل: ثم دخلت سنة تسع وستين وما بعدها إِلى سنة إِحدى وسبعين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة أربع وستين

حصار الكعبة ولما فرغ مسلم من المدينة وسار إِلى مكة كان مريضاً فمات قبل أن يصل إِلى مكة وأقام على الجيش مقامه الحصين بن نمير السكوني وذلك في المحرم من هذه السنة فقدم الحصين مكة وحاصر عبد الله بن الزبير أربعين يوماً حتى جاءهم الخبر بموت يزيد بن معاوية على ما سنذكره بعد رمي البيت الحرام بالمنجنيق وإحراقه بالنار ولما علم الحصين بموت يزيد قال لعبد الله بن الزبير‏:‏ من الرأي أن ندع دماء القتلى بيننا وأقبل لأبايعك وأقدم إِلى الشام فامتنع عبد الله بن الزبير من ذلك فارتحل الحصين راجعاً إلى الشام ثم ندم ابن الزبير على عدم الموافقة وسار مع الحصين من كان المدينة من بني أمية وقدموا إِلى الشام‏.‏

وفاة يزيد بن معاوية بحوارين من عمل حمص لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من هذه السنة أعني سنة أربع وستين وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وكان مدة خلافته ثلاث سنين وستة أشهر وكان آدم جعداً أحور العينين بوجهه آثار جدري حسن اللحية خفيفها طويلا وخلف عدة بنين وبنات وكانت أمه ميسون بنت بحدل الكلبية أقام يزيد معها بين أهلها في البادية وتعلم الفصاحة ونظم الشعر هناك في بادية بني كلب وكان سبب إِرساله مع أمه هناك أن معاوية سمع ميسون بنت بحدل تنشد هذه الأبيات وهي‏:‏ للبس عباءة وتقر عيني أحبُّ إِليَّ من لبسِ الشفوفِ وبكر تتبع الأظعان صعب أحبّ إِلي من بغل زفوفِ وكلب ينبح الأضياف دوني أحب إِليّ من هر ألوفِ وخرق من بني عمي فقير أحبّ إلي من علج عنيفِ فقال لها معاوية‏:‏ ما رضيت يا ابنة بحدل حتى جعلتني علجاً عنيفاً الحقي بأهلك فمضت إِلى بادية بني كلب ويزيد معها‏.‏

 أخبار معاوية بن يزيد بن معاوية

وهو ثالث خلفائهم ولما توفي يزيد بن معاوية بويع بالخلافة ولده معاوية في رابع عشر ربيع الأول من هذه السنة وكان شاباً ديناً فلم تكن ولايته غير ثلاثة أشهر وقيل‏:‏ أربعين يوماً ومات وعمره إِحدى وعشرون سنة وفي أواخر أيامه جمع الناس وقال‏:‏ قد ضعفت عن أمركم ولم أجد لكم مثل عمر بن الخطاب لأستخلفه ولا مثل أهل الشورى فأنتم أولى بأمركم فاختاروا من أحببتم ثم دخل منزله وتغيب فيه حتى مات وقيل إِنه أوصى أن يصلي بالناس الضحاك بن قيس حتى يقوم لهم خليفة‏.‏

البيعة لعبد اللّه بن الزبير

ولما مات يزيد بن معاوية بايع الناس بمكة ابن الزبير وكان مروان بن الحكم مدينة فقصد المسير إِلى عبد اللّه بن الزبير ومبايعته ثم توجّه مع من ترجّه من بني أمية إِلى الشام وقيل إِن ابن الزبير كتب إِلى عامله بالمدينة أن لا يترك بها من بني أمية أحداً‏.‏

ولو سار ابن الزبير مع الحصين إِلى الشام أو صانع بني أمية ومروان لاستقر أمره ولكن لا مرد لما قدره الله تعالى ولما بويع عبد الله بن الزبير بمكة كان عبيد الله بن زياد بالبصرة فهرب إِلى الشام وبايع أهل البصرة ابن الزبير واجتمعت له العراق والحجاز واليمن وبعث إِلى مصر فبايعه أهلها وبايع له في الشام سراً الضحاك ابن قيس وبايع له بحمص النعمان بن بشير الأنصاري وبايع له بقنسرين زفر بن الحارث الكلابي وكاد يتم له الأمر بالكلية وكان عبد الله بن الزبير شجاعاً كثير العبادة وكان به البخل وضعف الرأي‏.‏

أخبار مروان بن الحكم

وهو رابع خلفائهم وقام مروان بالشام في أيام ابن الزبير واجتمعت إِليه بنو أمية وصار الناس بالشام فرقتين اليمانية مع مروان والقيسية مع الضحاك بن قيس وهم يبايعون لابن الزبير وجرت مقاولات وأمور يطول شرحها‏.‏

وقعة مرج راهط وآخر ذلك أن الفريقين التقوا بمرج راهط في غوطة دمشق واقتتلوا وكانت الكرة على الضحاك والقيسية وانهزموا أقبح هزيمة وقتل الضحاك بن قيس وقتل جمع كثير من فرسان قيس‏.‏

ولما انهزمت قيس يوم المرج نادى منادي مروان بن الحكم ألا لا يتبع أحد ودخل دمشق مروان ونزل في دار معاوية بن أبي سفيان واجتمع عليه الناس وتزوج أم خالد بن يزيد بن معاوية لخوفه من خالد‏.‏

ولما انهزمت القيسية وقتل الضحاك وبلغ ذلك أهل حمص وعليها النعمان ابن بشير الأنصاري خرج هارباً بامرأته وأهله فخرج أهل حمص وقتلوا النعمان بن بشير وردوا برأس النعمان وأهله ولما بلغ زفر بن الحارث وهو بقنسرين يدعو لابن الزبير خبر الهزيمة خرج من قنسرين وأتى قرقيسيا فغلب عليها واستوسق الشام لمروان بن الحكم ثم خرج إِلى جهة مصر وبعث قدامه عمرو بن سعيد بن العاص فدخل مصر وطرد عامل ابن الزبير عنها وبايع لمروان بن الحكم أهلها ولما ملك مروان مصر رجع إِلى دمشق وخرجت سنة أربع وستين ومروان خليفة بالشام ومصر وابن الزبير خليفة في الحجاز والعراق واليمن‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة أربع وستين هدم ابن الزبير الكعبة وكانت حيطانها قد مالت من ضرب المنجنيق فهدمها وحفر أساسها وأدخل الحجر فيها أعادها على ما كانت عليه أولاً‏.‏

 

ثم دخلت سنة خمس وستين

وفاة مروان بن الحكم وتوفي بأن خنقته أم خالد بن يزيد بن معاوية زوجته وصاحت مات فجأة وذلك لثلاث خلون من رمضان من هذه السنة أعني سنة خمس وستين ودفن بدمشق وعمره ثلاث وستون سنة وكانت مدة خلافته تسعة أشهر وثمانية عشر يوماً‏.‏

شيء من أخباره كان النبي صلى الله عليه وسلم قد طرد أباه الحكم إِلى الطائف ولم يزل طريداً في أيام أبي بكر وعمر إِلى أن رده عثمان كما ذكرنا ومروان هو الذي قتل طلحة بسهم نشاب في حرب الجمل‏.‏

أخبار عبد الملك

وهو خامس خلفائهم لما مات مروان بويع ابنه عبد الملك بن مروان في ثالث رمضان من هذه السنة عني سنة خمس وستين عقب موت مروان واستثبت له الأمر بالشام ومصر وقيل إِنه لما أتته الخلافة كان قاعداً والمصحف في حجره فأطبقه وقال‏:‏ هذا آخر العهد بك‏.‏

 

ثم دخلت سنة ست وستين

خروج المختار بن أبي عبيد الثقفي وفي هذه السنة خرج المختار بالكوفة طالباً بثأر الحسين واجتمع إِليه جمع كثير واستولى على الكوفة وبايعه الناس بها على كتاب الله وسنة رسوله والطلب بدم أهل البيت وتجرد المختار لقتال قتلة الحسين وطلب شمر بن ذي الجوشن حتى ظفر به وقتله وبعث إِلى خولي الأصبحي وهو صاحب رأس الحسين فاحتاط بداره وقتله وأحرقه بالنار ثم قتل عمر بن سعد بن أبي وقاص صاحب الجيش الذين قتلوا الحسين وهو الذي أمر أن يداس صدر الحسين وظهره بالخيل وقتل ابن عمر المذكور واسمه حفص وبعث برأسهما إلى محمد بن الحنفية بالحجاز وذلك في ذي الحجة من هذه السنة ثم إِن المختار اتخذ كرسياً وادعى أن فيه سراً وأنه لهم مثل التابوت لبني إِسرائيل ولما أرسل المختار الجنود لقتال عبيد الله بن زياد خرج بالكرسي على بغل يحمله في القتال‏.‏

 

ثم دخلت سنة سبع وستين

مقتل عبيد اللّه بن زياد وفي هذه السنة في المحرم أرسل المختار الجنود لقتال عبيد الله بن زياد وكان قد استولى على الموصل وقدم على الجيش إِبراهيم بن الأشتر النخعي فاقتتلوا قتالاً شديداً وانهزمت أصحاب ابن زياد وقتل عبيد اللّه بن زياد قتله إِبراهيم بن الأشتر في المعركة وأخذ رأسه وأحرق جثته وغرق في الزاب من أصحاب ابن زياد المنهزمين أكثر ممن قتل وبعث إِبراهيم برأس ابن زياد وبعدة رؤوس معه إِلى المختار وانتقم اللّه للحسين بالمختار وإن لم تكن نية المختار جميلة‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة سبع وستين

ولى ابن الزبير أخاه مصعباً البصرة ثم سار مصعب إِلى البصرة بعد أن طلب المهلب بن أبي صفرة من خراسان فقدم إِليه بمال وعسكر كثير فسارا جميعاً إلى قتال المختار بالكوفة وجمع المختار جموعه والتقيا فتمت الهزيمة بعد قتال شديد على المختار وأصحابه وانحصر المختار في قصر الإِمارة بالكوفة ودخل مصعب الكوفة وحاصر المختار وما زال المختار يقاتل حتى قتل ثم نزل أصحابه من القصر على حكم مصعب فقتلهم جميعهم وكانوا سبعة آلاف نفس وكان مقتل المختار في رمضان سنة سبع وستين وعمره سبع وستون سنة‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة سبع وستين للهجرة وقيل سنة إِحدى وسبعين وقيل سنة تسع وستين وقيل سنة ثمان وستين توفي بالكوفة أبو بحر الضحاك بن قيس بن معاوية بن حصين بن عبادة وكان يعرف الضحاك المذكور بالأحنف وهو الذي يضرب به المثل في الحلم وكان سيد قومه موصوفاً بالعقل والدهاء والعلم والحلم والذكاء أدرك عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يصحبه ووفد على عمر بن الخطاب في أيام خلافته وكان من كبار التابعين وشهد مع علي وقعة صفين ولم يشهد وقعة الجمل مع حد الفريقين والأحنف‏:‏ المائل سمي بذلك لأنه كان أحنف الرجل يطأ على جانبها الوحشي وقدِم الأحنف المذكور على معاوية في خلافته وحضر عنده في وجوه الناس فدخل رجل من أهل الشام وقال خطيباً وكان آخر كلامه أن لعن علي بن أبي طالب فأطرق الناس وتكلم الأحنف فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إِن هذا القائل لو يعلم أن رِضاك في لعن المرسلين للعنهم فاتق الله ودع عنك علياً فقد لقي ربه وأفرد في قبره وكان والله الميمونة نقيبته العظيمة مصيبته فقال معاوية‏:‏ يا أحنف لقد أغضيت العين على القذى فأيم الله لتصعدنّ المنبر ولتلعنه وطوعاً أو كرهاً فقال الأحنف‏:‏ أو تعفيني فهو خير لك فألح عليه معاوية فقال الأحنف‏:‏ أما والله لا نصفنك في القول قال‏:‏ وما أنت قائل قال أحمد الله بما هو أهله وأصلي على رسوله وأقول‏:‏ أيها الناس إِن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن ألعن علياً ألا وِإن علياً ومعاوية اختلفا فاقتتلا وادّعى كل منهما أنه مبغي عليه فإِذا دعوت فأمنوا‏.‏

ثم أقول‏:‏ اللهم العن أنت وملائكتك ملك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه والعن الفئة الباغية اللهم العنهم لعناً كثيراً أمنوا رحمكم الله‏.‏

يا معاوية أقوله ولو كان فيه ذهاب روحي فقال معاوية‏:‏ إِذن نعفيك من ذلك ولم يلزمه به‏.‏

 

ثم دخلت سنة ثمان وستين

فيها توفي عبد الله بن عباس بالطائف وكان محمد ابن الحنفية مقيماً بالطائف أيضاً فصلى على ابن عباس وأقام محمد بن الحنفية بالطائف إِلى أن قدم الحجاج بن يوسف إِلى مكة وكان مولد عبد الله بن عباس قبل الهجرة بثلاث سنين ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ اللهم فقهه في الدين وعلمه الكلمة والتأويل فكان كذلك وكان يسمى الحبر لكثرة علومه‏.‏

 

ثم دخلت سنة تسع وستين وما بعدها إِلى سنة إِحدى وسبعين

مقتل مُصعب بن الزَّبير في هذه السنة أعني سنة إِحدى وسبعين تجهز عبد الملك وسار إِلى العراق وتجهز مصعب لملتقاه واقتتل الجمعان وكان أهل العراق قد كاتبوا عبد الملك وصاروا معه في الباطن فتخلوا عن مصعب وقاتل مصعب حتى قتل هو وولده وكان مقتل مصعب بدير الجاثليق عند نهر دجيل وكان عمر مصعب ستاً وثلاثين سنة‏:‏ وكان مقتله في جمادى الآخرة سنة إِحدى وسبعين‏.‏

وكان مصعب صديق عبد الملك بن مروان قبل خلافته وتزوج مصعب سكينة الحسين وعائشة بنت طلحة وجمع بينهما في عقد نكاحه‏.‏

ثم دخل عبد الملك الكوفة وبايعه الناس واستوسق له ملك العراقين‏.‏

 

ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين

فيها جهز عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي في جيش إِلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير فسار الحجاج في جمادى الأولى من هذه السنة ونزل الطائف وجرى بينه وبين أصحاب ابن الزبير حروب كانت الكرة فيها على أصحاب ابن الزبير وآخر الأمر أنه حصر ابن الزبير بمكة ورمى البيت الحرام بالمنجنيق ودام الحصار حتى خرجت هذه السنة‏.‏

 

ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين

والحجاج محاصر لابن الزبير وأبى ابن الزبير أن يسلم نفسه وقاتل حتى قتل في جمادى الآخرة من هذه السنة بعد قتال سبعة أشهر وكان عمر ابن الزبير حين قتل نحو ثلاث وسبعين سنة وهو أول من ولد من المهاجرين بعد الهجرة وكانت مدة خلافته تسع سنين لأنه بويع له سنة أربع وستين لما مات يزيد بن معاوية وكان عبد الله بن الزبير كثير العبادة مكث أربعين سنة لم ينزع ثوبه عن ظهره‏.‏

وفي هذه السنة بعد مقتل ابن الزبير بويع لعبد الملك بالحجاز واليمن واجتمع الناس على طاعته‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة ثلاث وسبعين توفي عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكان موته بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر وعمره سبع وثمانون سنة‏.‏

 

ثم دخلت سنة أربع وسبعين

فيها هدم الحجاج الكعبة وأخرج الحجر عن البيت وبنى البيت على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ذلك إلى الآن واستمر الحجاج أميراً على الحجاز‏.‏

 

ثم دخلت سنة خمس وسبعين

فيها أرسل عبد الملك إِلى الحجاج بولاية العراق فسار من المدينة إِلى الكوفة وخرج في أيام ولاية الحجاج العراق شبيب الخارجي وكثرت جموعه وجرى له مع الحجاج حروب كثيرة آخرها أن جموع شبيب تفرقت وتردّى به فرسه من فوق جسر وسقط شبيب في الماء وغرق وكذلك خرج على الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث واستولى على خراسان ثم سار إِلى جهة الحجاج وغلب على الكوفة وكثرت جموعه وقويت شوكته شطب نوى من داره بالإِيوان إِيوان كسرى ذي القرى والزنجان من عاشق أضحى بزابلستان إِن ثقيفاً منهم الكذابات كذابها الماضي وكذاب ثان إنا سمونا للكفور الفتان حتى طغى في الكفر بعد الإِيمان بالسيد الغطريف عبد الرحمن سار بجمع كالدبا من قحطان بجحفل جم شديد الأركان فقل الحجاج ولي الشيطان يثبت لجمع مذحج وهمذان فإِنهم ساقوه كأس الديفان وملحقوه بقرى ابن مروان ثم أمد عبد الملك الحجاج بالجيوش من الشام وآخر الأمر أن جموع عبد الرحمن تفرقت وانهزم ولحق بملك الترك وأرسل الحجاج يطلبه من ملك الترك ويتهدده بالغزو إِن أخره فقبض ملك الترك على عبد الرحمن المذكور وعلى أربعين من أصحابه وبعث بهم إِلى الحجاج فلما نزل في مكان في الطريق ألقى عبد الرحمن نفسه من سطح فمات‏.‏

 

ثم دخلت سنة ست وسبعين

وما بعدها إلى إحدى وثمانين فيها توفي أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية‏.‏

 

ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين

فيها توفي المهلب بن أبي صفرة الأزدي وكان من الأجواد المشهورين بالكرم والشهامة وكان الحجاج قد ولى المهلب خراسان ومات المهلب بمرو الرود واستخلفَ بعده ابنه يزيد بن المهلب ولما دنت من المهلب الوفاة أحضر السهام لأولاده وقال‏:‏ أتكسرونها مجتمعة قالوا‏:‏ لا قال أتكسرونها متفرقة قالوا‏:‏ نعم قال هكذا أنتم‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة اثنتين وثمانين توفي خالد بن يزيد بن معاوية وكان من المعدودين في بني أمية بالسخاء والفصاحة والعقل‏.‏

 

ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين

فيها بنى الحجاج مدينة واسط‏.‏

 

ثم دخلت سنة أربع وثمانين وسنة خمس وثمانين فيها أعني سنة خمس وثمانين توفي عبد العزيز بن مروان بمصر‏.‏

 

ثم دخلت سنة ست وثمانين

وفاة عبد الملك بن مروان وفي منتصف شوال من هذه السنة توفي عبد الملك بن مروان وعمره ستون سنة وكانت مدة خلافته منذ قتل ابن الزبير واجتمع له الناس ثلاث عشرة سنة وأربعة أشهر تنقص سبع ليال وكان شديد البخر وكنّي لذلك بأبي الذبّان وكان يلقب لبخله برشح الحجر وكان حازماً عاقلاً فقيهاً عالماً وكان ديناً فلما تولى الخلافة استهوته الدنيا فتغير عن ذلك وفيه يقول الحسن البصري ماذا أقول في رجل الحجاج سيئة من سيئاته‏.‏

ولاية الوليد بن عبد الملك وهو سادس خلفائهم لما توفي عبد الملك بويع الوليد بالخلافة في منتصف شوال من هذه السنة أعني سنة ست وثمانين بعهد من أبيه إِليه وكان مغرماً بالبناء واستوثقت له الأمور وفتحت في أيامه الفتوحات الكثيرة من ذلك جزيرة الأندلس وما وراء النهر وولى الحجاج خراسان مع العراقين فتغلغل في بلاد الترك وتغلغل مسلمة بن عبد الملك في بلاد الروم ففتح وسبى وفتح محمد بن القاسم الثقفي بلاد الهند‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة ست وثمانين ولى الوليد ابن عمه عمر بن عبد العزيز المدينة فقدم إِليها ونزل في دار جده مروان ودعا عشرة من فقهاء المدينة وهم عروة بن الزبير بن العوام وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وأبو بكر ابن عبد الرحمن وأبو بكر بن سليمان وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عامر بن ربيعة وخارجة بن زيد‏.‏

فقال لهم عمر بن عبد العزيز‏:‏ أريد أن لا أقطع أمراً إِلا برأيكم فما علمتموه من تعدي عامل أو من ظلامة فعرفوني به فجزوه خيراً‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وثمانين وسنة ثمان وثمانين

فيها كتب الوليد إِلى عمر بن عبد العزيز يأمره بهدم مسجد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهدم بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأن يدخل البيوت في المسجد بحيث تصير مساحة المسجد مائتي ذراع في مائتي ذراع وأن يضع أثمان البيوت في بيت المال فأجابه أهل المدينة إِلى ذلك وقدمت الفعلة والصناع من عند الوليد لعمارة المسجد وتجرد لذلك عمر بن عبد العزيز‏.‏

وفي هذه السنة أيضاً أعني سنة ثمان وثمانين أمر الوليد ببناء جامع دمشق فأنفق عليه أموالاً عظيمة تجل عن الوصف‏.‏

 

ثم دخلت سنة تسع وثمانين وما بعدها

حتى دخلت سنة ثلاث وتسعين فيها عزل الوليد عمر بن عبد العزيز عن المدينة‏.‏

 

ثم دخلت سنة أربع وتسعين

فيها قتل الحجاج سعيد بن جبير بسبب أن سعيداً كان خلع الحجاج وصار مع عبد الرحمن بن الأشعث وكان سعيد بن جبير قد هرب من الحجاج وأقام في مكة فأرسل الحجاج يطلب جماعة من الوليد قد التجأوا إِلى مكة فكتب الوليد إلى عامله على مكة وهو خالد بن عبد الله القسري يأمره بإِرسال من يطلبه الحجاج وطلب الحجاج سعيد بن جبير وغيره فبعث بهم إليه فضرب عنق سعيد بن جبير وسعيد بن جبير المذكور كان من أعلام التابعين أخذ العلم عن عبد اللّه بن عباس وعبد الله بن عمر وعنه روى القرآن أبو عمرو وقال أحمد بن حنبل‏:‏ قتل الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا مفتقر إِلى علمه‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة أربع وتسعين

توفي سعيد بن المسيب وكان من كبار التابعين وفقهائهم‏.‏

وفيها وقيل في سنة خمس وتسعين توفي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بزين العابدين وكان مع أبيه الحسين لمّا قتل وسلم من القتل لأنه كان مريضاً على الفراش وكان كثير العبادة ولهذا قيل له زين العابدين وتوقي بالمدينة ودفن بالبقيع وعمره اثنان وخمسون سنة‏.‏

 

ثم دخلت سنة خمس وتسعين

فيها توفي الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراقين وخراسان وعمره أربع وخمسون سنة وكانت مدة ولايته العراق نحو عشرين سنة وكان الحجاج أخفش رقيق الصوت في غاية الفصاحة قيل إِنه أحصي من جملة الذين قتلهم الحجاج فكانوا مائة ألف وعشرين ألف‏.‏

 

ثم دخلت سنة ست وتسعين

وفاة الوليد وفي جمادى الآخرة من هذه السنة أعني سنة ست وتسعين توفي الوليد بن عبد الملك بن مروان وكانت مدة خلافته تسع سنين وسبعة أشهر وكانت وفاته بدير مران ودفن بدمشق خارج الباب الصغير وصلى عليه ابن عمه عمر بن عبد العزيز وكان عمره اثنتين وأربعين سنة وستة أشهر وكان سائل الأنف جداً وكان له من الولد ثمانية عشر ابناً وهو الذي بنى مسجد دمشق واحتمل له الصناع من بلاد الروم ومن سائر بلاد الإسلام وكان في جانب الجامع كنيسة قد سلمت للنصارى بسبب أنها في نصف البلد الذي أخذ بالصلح وكانت تعرف بكنيسة ماريحنا فهدمها الوليد وأدخلها في الجامع وكان الوليد لحاناً دخل عليه أعرابي يشكو صهراً له فقال له الوليد‏:‏ ما شأنك بفتح النون‏.‏

فقال الأعرابي أعوذ بالله من الشين فقال له سليمان بن عبد الملك‏:‏ أمير المؤمنين يقول‏:‏ ما شأنك بضم النون‏.‏

فقال الأعرابي‏:‏ ختني ظلمني فقال الوليد‏:‏ من ختنَك بالفتح‏.‏

فقال الأعرابي‏:‏ إِنما ختنني الحجام ولست أريد ذا‏.‏

فقال سليمان بن عبد الملك‏:‏ أمير المؤمنين يقول من ختنُك بالضم فقال‏:‏ هذا وأشار إلى خصمه وكان أبوه عبد الملك فصيحاً وعرف بلحن ابنه فقال له‏:‏ إِنك يا بني لا تصلح للولاية على العرب وأنت تلحن وجعله في بيت وجعل معه من يعلمه الإعراب فمكث الوليد كذلك مدة ثم خرج وهو أجهل مما دخل‏.‏

أخبار سليمان بن عبد الملك بن مروان وهو سابعهم بويع بالخلافة لما مات أخوه الوليد في جمادى الآخرة من هذه السنة أعني سنة ست وتسعين وكان سليمان لما مات الوليد في مدينة الرملة فلما وصل إِليه الخبر بعد سبعة أيام سار إلى دمشق ودخلها وأحسن السيرة وردّ المظالم واتخذ ابن عمه عمر بن عبد العزيز وزيراً‏.‏

وفي هذه السنة غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم‏.‏

 

ثم دخلت سنة سبع وتسعين وسنة ثمان وتسعين

فيها خرج سليمان ابن عبد الملك بالجيوش لغزو قسطنطينية ونزل بمرج دابق وسير أخاه مسلمة إِلى قسطنطينية وأمره أن يقيم عليها حتى يفتحها فشتى مسلمة على قسطنطينية وزرع الناس بها الزرع وأكلوه وأقام مسلمة قاهراً لأهل قسطنطينية حتى جاءه الخبر بموت سليمان‏.‏

وفيها أعني سنة ثمان وتسعين فتح يزيد بن المهلب بن أبي صفرة الوالي على خراسان من قبل سليمان بن عبد الملك جرجان وطبرستان‏.‏

وفاة سليمان بن عبد الملك وفي هذه السنة عني سنة تسع وتسعين توفي سليمان بن عبد الملك في صفر وكانت مدة خلافته سنتين وثمانية أشهر وعمره خمس وأربعون سنة ومات بدابق من أرض قنسرين مرابطاً وأخوه مسلمه منازل قسطنطينية وكان سليمان طويلاً أسمر جميل الصورة وكان به عرج وكان حسن السيرة وكان مُغْرماً بالنساء كثير الأكل حج مرة وكان الحر في الحجاز إِذ ذاك شديداً فتوجه إِلى الطائف طلباً للبرودة وأتي برمان فأكل سبعين رمانهَ ثم أتي بجدي وست دجاجات فأكلها ثم أتي بزبيب من زبيب الطائف فأكل منه كثيراً ونعس فنام ثم انتبه فأتوا بالغداء فأكل على عادته وقيل كان سبب موته أنه أتاه نصراني وهو نازل على دابق بزنبيلين مملوءين تيناً وبيضاً فأمر من يقشر له البيض وجعل يأكل بيضة وتينة حتى أتى على الزنبيلين ثم أتوه بمخ وسكر فأكله فاتخم ومرض ومات وصلى عليه عمر بن عبد العزيز ودفن وكان شديد الغيرة أمر بخصي المخنثين الذين كانوا بالمدينة فخصاهم عامله على المدينة وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو الأنصاري‏.‏